ظاهرة انخساف الارض

من طرف أميرالجبل 7/4/2012, 5:53 pm

وانخسفت الارض

في العديد من المناطق تأتينا الابار عن ظهور ثقوب وانهيارات في الارض بنتيجتها ينفتح باطن الارض فجأة ويبتلع بيوت وسيارات. لماذا يحدث ذلك، وماهو دور نشاطات الانسان في هذه الظاهرة، وكيف نحمي انفسنا منها؟

في مايس من عام 2010 اجتاح الاوركان اغاثا مدينة غواتيمالا ( العاصمة) وسط امريكا اللاتينية وهطلت امطار غزيرة ادت الى كوارث. بعد انتهاء الامطار وفي الوقت الذي كان يجري تحديد الخسائر حدثت دراما مفاجأة في احد اطراف المدينة. الارض تنخسف في دائرة قطرها 18 متر وعمق 60 متر كما لو ان الارض تفتح فمها في اتجاه السماء. وعلى الرغم من ان الحفرة حدثت بين شوارع وبيوت المدينة الا انه، بأعجوبة، لم تحدث خسائر بشرية.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قبل ثلاث سنوات من الحادثة اعلاه، اي في عام 2007، وعلى مسافة بضعة كيلومترات فقط من نفس المنطقة حدثت حادثة مماثلة اخذت معها بيت وفيه ثلاث اشخاص جميعهم ماتوا.
هذا النوع من الحفر يسمى " ثقوب منخسفة" [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

الثقوب المنخسفة تنشأ بطريقة طبيعية، وهي جزء من تاريخ الارض. غير انه في العشرات سنوات الاخيرة اصبحت هذه الظاهرة تتواتر بشكل اسرع وتشكل مخاطر جدية للانسان. يشير الاختصاصيون الى ان ذلك خطأ الانسان، لانه واضافة الى اننا نقوم ببناء ابنية شاهقة وثقيلة نقوم ايضا بتحطيم توازن المياه الجوفية. في العديد من المناطق نقوم بإستهلاك المياه الجوفية بحيث ينخفض مستواها مما يرفع مخاطر انهيار طبقات الارض تحت اقدامنا.

الثقوب المنخسفة موجودة، او يمكن ان تنشأ في جميع بقاع العالم، وتختلف احجامها من بضعة امتار الى بضعة مئات الامتار عرضا وعمقا. من النظرة الاولى تبدو هذه الثقوب وكانها غير طبيعية في نظر البعض، إذ كيف يعقل للارض الواضحة الثبات والراسخة ان تنهار؟

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

في الواقع تفسير هذه الظاهرة بسيط. يحتاج الامر فقط الى مغارة تحت الارض تسمح للارض فوقها ان تنهار فيها. المغارة الجوفية تحدث بواسطة انحلال الاملاح في مياه الامطار التي تتغلغل ببطء في طبقات الارض. المغارات الحجرية المعروفة لنا نشأت بهذه الطريقة بالذات. وعلى مدى زمن كافي يصبح باطن الارض مثقب تماما كالجبن الهولندي. هذا يؤدي الى حدوث انخفاض للارض، غالبا بهدوء ولكن نادرا بطريقة دراماتيكية. هذه الظاهرة تؤدي الى نشوء[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في سطح الارض كما هو الحال في شمال ايطاليا وسلوفينيا وكرواتيا.

karst يعبر عن عملية انحلال املاح الاحجار الكلسية في الماء مما يؤدي الى نشوء سطح متعرج. ولكن الجيلوجيون يتكلمون ايضا عن نوع يسمى الكارست المزيف. pseudokarst. هذا يصف عملية نشوء فراغات داخل الارض بعملية اخرى وليس عملية انحلال الاملاح. هذه الفراغات يمكن ان تكون بنتيجة عملية طبيعية مثلا بنتيجة انزياح التربة او بسبب نهر المصهورات القادمة من البراكين ولكن ايضا يمكن ان تكون فراغات ناشئة عن نشاطات انسانية.

بالنسبة للثقوب الانخسافية في غواتيمالا عام 2007 وعام 2010 كانت النشاطات الانسانية هي السبب في حدوثها. مدينة غواتيمالا بنيت على صخور بركانية ولايمكن لها ان تنحل في الماء. فيما بعد جرى إكتشاف تسرب في القناة الرئيسية لمجاري المياه الوسخة وهذه المياه تمكنت من جرف الصخور الحرة وبهذا الشكل خلقت فراغات. الاسباب نفسها كانت وراء انخساف عام 2010 ايضا إضافة الى الامطار القادمة من الاوركان.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

في عام 2010 انخسفت الارض في مدينة ستشمالكالدين الالمانية وتركت خلفها حفرة بعمق 30 متر ابتلعت سيارة. هنا كانت الاسباب طبيعية اذ ان طبقة ملحية انحلت في المياه الجوفية ولحسن الحظ لم يصاب احد بأذى. غير ان الانخسافات الارضية الطبيعية لديها جوانب ايجابية حيث ينشأ بفضلها مناطق بيئية جميلة كما في اندونيسيا و Great Blue Hole. ومع ذلك تزداد المعضلات التي يسببها تزايد حدوث الانخسافات.

لهذه الاسباب تتزايد الابحاث لدراسة المعضلة. الباحث الاسرائيلي Dr. Lev Ebbelbaum من جامعة تل ابيب بالتعاون مع زملائه الاردنيين قاموا وعلى مدى عدة سنوات بدراسة الثقوب الانخسافية في منطقة حوض البحر الميت. احدى اسباب المعضلة ان الانسان في المناطق الجافة تعلم الري الاصطناعي واصبح يتزايد استهلاكه من المياه الجوفية الناضبة. في مناطق اخرى يقوم الانسان بتجفيف اراضي المستنقعات والجبايش من اجل الزراعة واليناء. ومع ازدياد عدد السكان برزت مشكلة نضوب المياه. هذا الامر يصبح اوضح اذا اخذنا بعين الاعتبار ان التوقعات ان القرن الحالي سيكون ممتلئ بالنزاعات من اجل الماء وليس النفط. انخفاض مستوى المياه الجوفية يترك مكانه فراغات كانت ممتلئة بالمياه لتصبح جافة وغير مستقرة، لتنهار بسبب الوزن فوقها. احدى الامثلة مايحدث في غرب فلوريدا حيث مستوى المياه الجوفية انخفض كثيرا في السنوات الاخيرة وارتفع مستوى الثقوب الانخسافية التي سببت خسائر فادحة للابنية والطرق.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
البقع الحمراء تشير الى انتشار المناطق الكلسية المعرضة للانخساف الطبيعي في جميع انحاء العالم

نشاطات انسانية اخرى يمكن ان تنتهي بتشكيل ثقوب انخسافية، احدى الامثلة الاباهرة على ذلك موجود في صحراء كراكوم في تركمنستان من عهد الدولة السوفيتية. في تلك المنطقة توجد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي غير ان باطن الارض هناك ممتلئ ايضا بالفراغات. في فترة الاتحاد السوفيتي، عام 1971، قاموا بالحفر بحثا عن الغاز غير انه لسوء الحظ اصطدموا بأحدى الفراغات والضغط ادى الى سقوط مكائن الحفر في الحفرة التي تشكلت بعرض 60 متر وعمق 20 متر، ويسميها السكان المحليين بوابة جهنم Gates of hell. بعد الانهيار استمر الغاز بالتسرب ولمنع تسبيب الضرر اشعلوا النار فيه. وحتى اليوم لازالت الشعلة متوقدة.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

لكل ذلك فإن الوصول الى طريقة لاكتشاف الثقوب الانخسافية امر مربح اقتصادي وهو السبب خلف السنوات من الدراسات العلمية سعيا لهذا الهدف في منطقة البحر الميت، وهي منطقة تعاني من الكثير من الثقوب الانخسافية منذ القدم الى درجة دخولها في الاساطير الدينية المحلية، حيث تتواتر القصص بين سكان المنطقة عن شعوب انخسفت بها الارض وبادت.. منطقة البحر الميت لها خصوصية مميزة. سطح البحر الميت يقع على ارتفاع 415 متر تحت مستوى البحر وبذلك يكون اخفض مكان على الارض. البحر الميت يحصل على مياهه من نهر الاردن وبسبب ارتفاع نسبة التبخر في الحر العالي ارتفعت نسبة الاملاح في مياه البحر الميت خصوصا بعد تزايد استهلاك مياه نهر الاردن الحلوة في الزراعة. ذلك ادى الى انخفاض منسوب البحر بمعدل متر واحد سنويا. هذا الامر ادى الى ان الاراضي المحيطة بالبحر اصبحت تشبه القمر من كثرة ثقوبها الانخسافية، بأقطار تتراوح مابين المتر وثلاثين متر. هذه الانهيارات ادت الى تهديد العديد من المشاريع السياحية والبنية التحتية.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قرب البحر الميت وعلى اعماق مابين 25 الى 50 متر توجد طبقة ملحية ثخانتها بضعة امتار. في السابق كانت هذه الطبقة مغطاة بالمياه الجوفية ولكن مع انخفاض المياه الجوفية حدثت عمليتين فيزيائيتين. الاولى ان الفراغات في طبقة الاملاح اصبحت جافة وغير مستقرة والثانية ان هذه الاملاح الجافة اصبحت في تماس مباشر مع مياه حلوة قادمة من الامطار النادرة. بذلك تنحل الاملاح بكميات اكبر وتزداد الفراغات حجما لتنهار وتظهر المزيد من الثقوب.