سري جدااااااا
+2
Admin
أميرالجبل
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
سري جدااااااا
قصة «ديبلوماسية الاستخبارات» التي انهت عزلة ليبيا
والغت... لوكربي
في منتصف أكتوبر العام 2001، دخل بين بونك، أحد قدماء وكالة الاستخبارات الأميركية
«سي. آي. أي» بكل هدوء إلى منزل ارستقراطي قديم في شارع ريجينت بارك في لندن، بهدف
عقد اجتماع كان يأمل أنه سيكون انطلاقة لشيء ما.
يملك المنزل العتيق الأمير بندر
بن سلطان، سفير السعودية في الولايات المتحدة لمدة تزيد على 18 سنة. والأمير البالغ
من العمر 62 سنة يعتبر أحد الأصدقاء المخلّصين للرئيسين، بوش الأب وبوش الابن وموضع
ثقتهما. والرجل متعدد التعقيدات، مرح ومثقف ومراقب للأمور من جوانب عدة ويمكن رؤيته
وهو يتجول في ساحة ملعب إحدى مباريات التنس القومية في أميركا أو وهو يتناول العشاء
ويدخن السيجار في الجناح الغربي من البيت الأبيض (مسكن الرئيس الأميركي
الرسمي).
الأمير بندر معروف عنه أيضا أنه عندما يقوم بعمل فهو ينجزه، ويقوم
باستمرار ببناء علاقات تساهم بقوة في نجاحاته المستمرة.
في هذا اليوم (أي يوم
الزيارة)، قام الأمير بندر بالترحيب ببونك وأدخله الى صالون الشرق حيث كان في
الانتظار رجل أنيق ... مبتسما ومجسدا لكل ما هو محسوب على «الجانب الأسود».
بادر
الرجل الحامل لاسم موسى كوسا متحدثا مع بونك، قائلا من دون كلفة :« أمر مثير جدا...
فعالية لاعبي فريق السبارتان. (كرة سلة قومي)». ضحك بونك وقال :« نعم نعم لم نر
شيئا مثل هذا منذ أيام الساحر»، يقصد اللاعب الشهير ماجيك جونسون.
الرجلان كانا
يعرف احدهما الآخر في ولاية ميتشيغن، بونك تخرج من جامعتها العام 1976، وهو العام
السابق لوصول ماجيك جونسون للفريق، أما كوسا وهو المهووس بكرة السلة فكان يدرس
للحصول على درجة الماجستير في علم الاجتماع العام 1973، كانت أطروحة كوسا والتي لم
تقدم سوى بعد سنوات عدة من النوع الذي يطلق عليه (للحفظ). أي النوع الذي ينسخ منه
الأستاذ صورة ثم يضعها في الدرج، والسبب في ذلك لا يرجع إلى عمق التحليل، وإن كان
فيها بعض التحليل في صفحاتها الـ 209 مع الهوامش، لقد كانت بحثا مهما لأن صاحبها
كان حظي بمقابلة مع موضوع رسالته: معمر القذافي!
موسى كوسا من مواليد طرابلس في
عائلة معروفة. كان ذلك في زمن مضى، الزمن الحاضر، الرجلان قطعا شوطا طويلا منذ أيام
ملعب السبارتان في شرق لانسنغ وألوان الأخضر والأبيض المميزة.
بونك قضى أكثر من
20 عاما يسافر ويتجول لحساب الـ «سي آي أي»، خصوصا في البلاد العربية، تزوج لفترة
قصيرة، ثم طلق زوجته، مثله مثل العديد من عملاء المخابرات ثم أخذ يصعد سلم الوظيفة
ووصل إلى المراتب العليا، في العام2000 تسلم منصب نائب مدير لعمليات مكافحة الإرهاب
في الوكالة، الرجل ناعم الحديث هادئ ومتمالك لنفسه تماما على عكس مدير المركز جوفر
بلاك الذي ينزع إلى حب الظهور والبهرجة.
بونك الدائم الدقة والمصداقية، كان أقام
معسكرا مع نائب مدير الوكالة الآخر جون ماكلولين، في مزرعة بوش العام2000، أي شهرين
قبل الانتخابات والغرض كان لإعلام المرشح الديموقراطي بأسرار الدولة. (وهو إجراء
روتيني يعمل لكل المرشحين للرئاسة قبل الانتخابات)، بونك أخبر بوش المرشح بأن
العديد من الأميركيين سيموتون خلال السنوات الأربع المقبلة في عمليات إرهابية مخطط
لها أو مستوحاة من قبل أسامة بن لادن.
كوسا غادر لاسنغ إلى ليبيا، وفي العام
1980 توصل إلى منصب رئيس البعثة الليبية الديبلوماسية في لندن أو سفير ليبيا في
المملكة المتحدة. وفي مقابلة صحافية مع صحيفة «صنداي تايمز»، قال كوسا أنه يدعم
الجيش الجمهوري الإيرلندي وأن معارضين للقذافي كانا يعيشان في لندن سيتم قتلهما،
فتم طرده بسرعة من البلاد. وبعد مغادرته بريطانيا عثر على الرجلين مقتولين. قتل
أيضا العديد من المنشقين الليبيين في أنحاء أوروبا في السنة التالية.
وفي
الثمانينات كان القذافي يبحث عن دور لاعب رئيسي في المسرح الدولي، لم يكن يملك من
الوسائل سوى الإرهاب. وفي منتصف الثمانينات كان الرئيس الأميركي السابق رونالد
ريغان يطلق عليه نعت «أخطر رجل في العالم» وقامت الولايات المتحدة بقصف ليبيا
العام1986 وأدى الهجوم الى مقتل ابنة القذافي وجرح اثنين من أولاده، وكانت العملية
انتقاما وردا على تفجير ملهى لا بيل الليلي في ألمانيا وانتهى الأمر بفرض عقوبات
أميركية صارمة على البلاد.
وفي ديسمبر العام 1988، عانت الولايات المتحدة من
أفظع العمليات الإرهابية، انفجار طائرة «بانام» فوق لوكربي حيث قتل في الحادث 270
شخصا، معظمهم من الأميركيين بما في ذلك 35 طالبا من جامعة سيراكوزا، ومن ضمن
المخططين لهذه العملية موسى كوسا، أحد زملاء بونك في السبارتان، والمعلومة متفق
عليها عموما في كل وكالات استخبارات الغرب، رحلة لوكربي حدثت عندما كان موسى كوسا
نائبا لرئيس الاستخبارات الليبية، وبعد ذلك بقليل، تم ربط اسم كوسا كذلك في عملية
تفجير طائرة «يو تي أي» الفرنسية الرحلة 772 فوق صحراء النيجر العام 1989 حيث قتل
فيها 170 شخصا، على الأقل هذا ما كانت تجزم به المخابرات البريطانية
والفرنسية.
وفي نهاية الثمانينات، كان القذافي دمر معظم علاقات ليبيا مع العالم،
وأصبحت العزلة لهذا البلد لا مفر منها، لكن الأمور تغيرت مع انتهاء
التسعينات.
وفي العام 1998، طار كل من مدير «سي آي أي» جورج تينيت منذ عام
ونائبه لشؤون الاستخبارات ماكلولين إلى جدة لمقابلة الأمير بندر بن سلطان. وفي
منزله الذي قال عنه ماكلولين إنه يشبه «عالم ديزني» حيث كانت القرود تقفز في أرجائه
وشاشات تلفزيون عملاقة في كل مكان، أشار الأمير بندر الى أنه قام بمحادثة القذافي
أخيرا وقال: «أعتقد أنه يريد التحدث(...) الرجل تعب من وحدته!».
كان الأمير بندر
محقا في السنة التالية «تسلل» كوسا إلى جنيف حيث قابل بونك، وما بدا واضحا لبونك في
حينه هو أن الليبيين تعبوا من استبعادهم المستمر من المجتمع الدولي ولم يعد في
إمكانهم إرسال أولادهم «المدللين» الى الجامعات الأميركية وأخذوا يختنقون تحت وطأة
العقوبات التي كانت تحد من كل شيء من البضائع المعتادة إلى قطع غيار معامل التكرير
والتي تحول معظمها إلى خردة...
كانت البداية في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل
كلينتون اذ قام مدير مجلس الأمن القومي الملحق في البيت الأبيض بروس ريدل بمناقشات
تهدف إلى تسوية موضوع لوكربي. الموضوع كان شائكا ولابد من معالجته في منتهى
السرية.
منذ العملية الرهيبة قامت عائلات ضحايا لوكربي بتأسيس مجموعة ضغط فعالة
ذات صوت عال وتنادي بالقبض على مرتكبي الجريمة وبالعقوبات وبأي شيء من شأنه يشبه
تطبيق عدالة ما. ولهذا السبب كان أي خبر عن حوار مع «وحوش» طرابلس من شأنه أن يفجر
الزوابع من قبل العائلات التي فقدت أحباءها صورهم موضوعة على مناضدها الليلية ومن
أفلام العائلة الخاصة ومن الذكريات التي أخذت تضمحل شيئا فشيئا...
ثم حدثت فاجعة
هجمات 11 سبتمبر 2001 وأخذ الحوار يتطور بصورة درامية، الولايات المتحدة وحلفاؤها
الغربيون كانوا على حين فجأة في حاجة شديدة لشيء معين من ليبيا : المعلومات
الاستخباراتية.
وبعد 21 عاما من طرده من بريطانيا وشهر واحد فقط من هجمات
سبتمبر، هبط موسى كوسا في مطار هيثرو في لندن حيث كان في استقباله وفد من كبار
المسؤولين من ديبلوماسيين ورجال مخابرات من بريطانيا والولايات المتحدة. كان موسى
يحمل ملفات كاملة تحوي أسماء وأماكن إرهابيين إسلاميين في أوروبا وشمال أفريقيا
والشرق الأوسط.
تجاوز لوكربي
ذهب الجميع في كوكبة كبيرة إلى منزل الأمير
بندر، باعتباره أرضا محايدة كمجاملة من السعوديين، كان ذلك بعد ثلاثة أيام من بدء
أميركا قصف أفغانستان حيث أسامة بن لادن.
وفي الصباح كانت الاجتماعات بين موسى
كوسا و وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، محورها كان قضية
لوكربي وعائلات ضحاياها وما إذا كانت ليبيا مستعدة للقبول بالمسوؤلية عن الجريمة ثم
صفقة ثنائية في شأن نزع أسلحة الدمار الشامل، لقد كان من المعروف على نطاق واسع أن
ليبيا لديها أسحلة كيماوية وربما بيولوجية. تم إخبار موسى كوسا أن كل ذلك يجب
التخلي عنه. لم يكن كوسا ملتزما موقفا لكنه كان يستمع جيدا، بلاده في الواقع يديرها
شخص واحد ورجل واحد فقط يستطيع أن يوافق على مثل هذا الأمر.
لم يتمكن كوسا و
بونك من الجلوس والتحدث سويا عن هوايتهما المشتركة سوى في نهاية ما بعد الظهر حيث
أخذا يتجاذبان أطراف الحديث عن المباريات واللاعبين.
لم يكن الأمر «تسليك حناجر»
فقط، فهم معنى «الحرب على الإرهاب» والإشكاليات الأخلاقية عند التعامل مع «الجانب
الأسود»... عليك أن تكون على مثل هذه الطاولة في مثل هذا القصر العائد لسفير بارز
من بلاد قام 15 مواطنا منها من أصل 19 فردا بعملية 11 سبتمبر، وليس من السهل الجلوس
والتحدث مع رجل أنيق مهذب متهم بقتل حمولة طائرة من الركاب قبل حتى أن تتاح لهم
الفرصة لتناول طعامهم فيها. هناك عائلات هؤلاء الأطفال في رحلة لوكربي والتي إن
قرأت هذه الجلسة، فقد يقومون بصب اللعنات بل وقد يقذفون ما في أفواههم. موسى كوسا
ورئيسه كانا دائما حاضرين في كوابيسهم الليلية.
هل يستطيع إنسان أن ينسى مثل
هكذا سلوك؟ هل من الممكن الجلوس والتحدث عن كرة السلة مع ممثل حكومة الولايات
المتحدة معتبرا ذلك نوعا من الغفران؟
ولكن أميركا كانت في حاجة، لقد كان الجميع
يتوقع موجة جديدة من الهجومات، ومصادر معلومات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
كانت شحيحة. كانت في حاجة إلى عيون خبيرة، والخبرة تأتي في أشكال عدة. وهكذا خرح
التصريح بالنية : اسمع يا موسى، تستطيع أن تضع لوكربي جانبا. نحن نريد تسوية
الموضوع. أنتم تريدون تسوية الموضوع، نحن سويا نحتاج أن نتجاوز المسألة الآن. هكذا
تحدث بونك.
بدا الارتياح على محيا موسى كوسا. لقد كان ينتظر سنوات عدة لسماع مثل
هذا الكلام الخارج من فوه بونك لتوه، الليبيون كانوا على استعداد للدفع بسخاء
لتعويض عائلات الضحايا الذين ماتوا. قال لبونك عندئذ :«نحن أيضا يا بيني نريد تجاوز
هذا الموضوع».
ثم انتقل بونك إلى الجدية الكاملة وقال: «كل شيء تغير منذ هجمات
سبتمبر، هناك أمران، نحن نحتاج الى أن تتخلوا عن أسلحة الدمار الشامل ونحتاج
وبأهمية أكبر المساعدة في حربنا ضد الإرهابيين».
رد كوسا :« نحن نتفهم كل ذلك».
وفي الليلة نفسها أعطى كوسا لبونك أسماء مهمة جدا بمن فيهم ابن الشيخ الليبي، وهو
مواطن ليبي ناشط والذي سيكون موضوع أول عملية إلقاء قبض تنجح فيها الولايات المتحدة
بالحرب على الإرهاب ومعه أسماء أخرى عدة والتي ستساعد أميركا فعليا في تفكيك
المجموعة الباكستانية المتورطة في نشر تقنية الأسحلة النووية للبلدان الإسلامية
الأخرى.
الانفتاح من القذافي
التعاون الليبي في مسائل الاستخبارات كانت أكثر
المساعي أهمية في المصالحة ما بين القذافي والولايات المتحدة إلى تاريخنا هذا، لكن
بينما كان حل عقدة العلاقات وشيكا، ومع إمكان اتفاق شامل، كان التقدم بطيئا نوعا
ما، الموضوع الأول كان التسوية الهادئة لقضية التعويضات المالية لعائلات ضحايا
لوكربي، يضاف إلى ذلك نقل بونك من قسم مكافحة الإرهاب إلى رئاسة قسم الاستخبارات في
الشرق الأوسط. وهكذا لم يعد هناك الميزة السابقة بتوافر حلقة اتصال جيدة مع
الليبيين ومن ثم خفت وتيرة التحسن خلال العام 2002. ولم يتوافر عنصر آخر ليملأ
الفراغ الناتج.
ولم تتحرك الأمور مجددا إلا في مارس العام 2003، رئيس وزراء
بريطانيا توني بلير قام بإخطار بوش بأن الليبيين أبلغوه رسالة فحواها أن القذافي
الآن يريد التدخل شخصيا في المفاوضات. القذافي نفسه؟ كان ذلك حقا مفاجأة. المفاوضات
أعيد لها الحياة بالصعقة الكهربائية، كان رئيس «سي آي أي» في حاجة ماسة لشخص ما لكي
يذهب إلى طرابلس ويتابع الموضوع مع الليبيين، والشخص الذي عثروا عليه لم يكن سوى
ستيف كابيس، وهو عميل مخضرم ذو 22عاما من الخبرة في قسم الخدمة السرية في الوكالة
العتيدة، كان لاعب كرة قدم أميركية جامعي وجندي مارينز سابق، ببدن قوي صارم وخشن،
صوت ناعم وموهوب في حسن الحديث الدقيق المناسب، كان في هذه الفترة نائب مدير
العمليات الثاني في الوكالة ومن المنتظر أن يتولى رئاسة قسم العمليات.
عندما
أحضر مدير الوكالة جورج تينيت كابيس معه إلى البيت الأبيض نهاية مارس، أعجب به
الرئيس فورا، فجندي المارينز السابق أثار لديه انطباعا جيدا والرئيس لم يكن سهل
الإعجاب بالناس عادة.
خلال الأيام التالية تحادث كل من بوش ونائبه ديك تشيني و
تينينت عن تعقيدات مفاوضات نزع الأسلحة مع الزعيم الليبي، الكل كان يرى هنالك فرص
جيدة ولكن أيضا بعض المخاطر، فالتعامل مع القذافي كان محفوفا ببعض التحديات، الرجل
كان يملك السلطة المطلقة في ليبيا وفي إمكانه تشكيل الوضع والناس الواقعين تحته كما
يريد، وتطميناته وتعهداته، إن كانت حقيقة قدمت، قد يكون من الصعب جني
ثمارها.
تشيني أبدى الكثير من الشكوك كان يفكر بسياسة الولايات المتحدة الشاملة
واستراتيجيتها المتعلقة والهادفة لتغيير سلوك الدول الأجنبية من خلال استعمال القوة
المسلحة، وكان يقول :«القذافي كان يتصرف بطريقة سيئة للغاية لسنوات عدة، ونحن لا
نريد أن نكافأه على السلوك السيئ بعقد اتفاق معه قد يعني الغفران له عن
سوءاته».
كان هذا النقاش يدون بينما تحشد أميركا قواتها لغزر دولة مارقة في
الخليج، وبالتالي ما كان يعنيه أن يقوم رجال القذافي بمبادرات لتسريع مفاوضات نزع
الأسلحة؟
هل الأمر يثبت صحة الحرب الوشيكة؟
هل يعني أن دولة خارجة على
القانون هي الآن مستعدة للانحناء أمام قواعد أميركا الجديدة والنظام الجديد؟ أم هل
كان الأمر مجرد مصادفة؟
بوش من جانبه كان يرى في عرض القذافي بتسريع المفاوضات
كدليل على أن غزو العراق أصبح أداة تغيير صالحة لقواعد اللعبة. لكن العديد من
مستشاري الخارجية والاستخبارات أخبروا بوش أنهم يرون الموضوع برؤية أخرى مختلفة،
العراق حسب ماقالوا، قد يكون ساهم في شكل متواضع، لكن الولايات المتحدة أذا لم تصر
دائما على التسوية المالية وشرط إنهائها قبل المباشرة في مفاوضات نزع الأسلحة،
القذافي كان من الممكن يقوم بهذه المبادرة منذ سنوات.
أومأ بوش برأسه وقال: «قد
يكون ذلك صحيحا لكن ذلك لم يعد له أهمية، فتوقيت القذافي بمبادرته نستطيع أن نستغله
بصورة مفيدة جدا، وبغض النظر عن الحقيقة الفعلية الكامنة»، فالسؤال، كما يقول بوش،
هو «التأكد من أننا سنحصل على فائدة من العملية أمامنا، وبعد ذلك نستطيع أن نخرج
بإعلان بأن (الباكس أميركانا) أي عصر السلام الأميركي المفروض عنوة، قد بدأ يؤتي
ثماره والدليل على ذلك أمامكم. انظروا إلى ليبيا! وهذا في الحد نفسه سيحسن من سلوك
الاخرين».
لم يكن الأمر مسألة تقديم مجرد، بل إدارة المفهوم أو ما يفهمه الآخر،
وإرسال «الرسالة» للعالم كان هو الهدف، فلنضع مسألة «المفهوم الذي يفهم» جانبا، نزع
السلاح كان دائما هدفا لمدة طويلة منذ ابتداء المفاوضات الأميركية- الليبية السرية
من العام 1992 في شأن لوكربي، إلى اجتماع الأمير بندر مع تينينت ونائبه ماكلولين
العام 1998 في جدة، إلى اتصالات بين بونك مع موسى كوسا في شأن مسائل تتعلق بأمور
الاستخبارات الشهور التي تلت هجمات سبتمبر، وحوارت كوسا وبونك والتي وإن كانت تحقق
بعض المكاسب إلا أنها كانت تجري خارج إطار مسار آخر بالغ الأهمية، ألا وهو عائلات
ضحايا لوكربي.
هذه المسألة بالذات (العائلات) كان لابد أن يتم تسويتها أولا،
ووافق الديبلوماسيون البريطانيون والأميركيون على وضع مسألة التفاوض على نزع السلاح
مع ليبيا جانبا إلى حين إقفال ملف تعويضات الضحايا. أحد موظفي الخارحية الأميركية
الكبار تحدث عن ذلك بوضوح :«إنك لا تستطيع خلط موضوع تعويض العائلات مع نزع السلاح
الكيماوي وتفكيك بنيته».
تم الوصول إلى حل المعضلة بهدوء في مايو العام 2002،
والاتفاق التي تم الوصول إليه مع العائلات لم يكن ليواسيها أو يقلل من حزنها الذي
تسبب في فرض العقوبات على ليبيا لمدة 15 سنة، ولكن كان هذا مالا. كل عائلة ستستلم
مبلغ عشرة ملايين دولار وبما مجموعه 2.7 مليار، وهكذا أخيرا تستطيع أميركا وليبيا
أن تتحدثا عن نزع الأسلحة بكل جدية.
لمتابعة الصفقة، وافق بوش مع تينيت على
اختيار كابيس للتفاوض مع القذافي الرجل المصاب بجنون وتوهم العظمة. من الواضح أن
كابيس كان يستطيع المحافظة على الأسرار، لذلك أعطاه الرئيس أحد هذه الأسرار، و لا
يجب أبدا على أحد أن يعرف بهذا السر، ولا حتى، وزارة الخارجية أو وزراة الدفاع ولا
حتى وزير الدفاع أو وزير الخارجية باول، لا أحد على الإطلاق يجب أن يعلم بهذه
المبادرة الخطيرة الرئيسية.
بالنسبة للرجل الذي سيتعامل مع كابيس، لم يكن الخيار
المتاح ما بين نزع أو عدم نزع الأسلحة، القذافي كان يعرف جيدا أن عليه نزع سلاحه
حتى يستطيع أن يحظى بالقبول الدولي من دون عقوبات وهو ما كان يرغبه في شدة ويحلم
به، ولكن المسألة كانت عن كيفية القيام بنزع السلاح هذا وبالطريقة التي تظهره أمام
شعبه وهيبته لم ينقصا وكذلك أمام الدول العربية الأخرى وبالطبع على أن لا تظهر
قراراته المتخذة سابقا على حقيقتها أي أنها لم تكن صائبة وأدت لمعاناة عشر سنوات من
المقاطعة.
القذافي توصل للسلطة بواسطة انقلاب عسكري أبيض العام 1969 وكان دائما
يرى في نفسه قائدا فاتحا صاحب رؤية متمثلة في ما اعتنقه وابتكره بنفسه، ألا هو
«النظرية العالمية الثالثة» وهي عبارة عن خلطة من الاشتراكية وصيغة خاصة من الإسلام
و مستلهمة من ممارسات البلاد القبلية. وكان الرجل ينتظر من شعبه أن يطبقها
بحذافيرها على طريقة «ديموقراطية مباشرة».
استخدم القذافي أموال صادرات النفط
لترويج أفكاره في الخارج خلال السبعينات والثمانيات ثم تمويل الإرهاب الذي كان
يتصور بأنه كفيل بإنهاء الرأسمالية والشيوعية معا، الرجل كان يعتقد في ذلك لأنه كان
يشعر بأنه رسول عظيم.
لكن الذي حدث كان شيئا مختلفا تماما، الذي أتى به القذافي
لنفسه كان الحصار الدولي والعقوبات، وفي 1986 وحتى قبل لوكربي، قامت الولايات
المتحدة بفرض حظر على التعامل مع ليبيا والسفر إليها، وابتداء من 1992، قامت الأمم
المتحدة بفرض حصار «شرجي» ومنعت تصدير المعدات اللازمة لصناعة النفط. النتيجة لكل
ذلك كان تموضع ليبيا الإجباري في علبة مليئة بالرمل بينما أصبح جيرانها يزدادون
ثراء من النفط.
معدل دخل الفرد من الناتج المحلي العام 2003 كان في حدود 6400
دولار من أموال النفط وهو أقل من حصة مواطني دول منظمة أوبك، وحتى هذا الدخل كان
يتم توزيعه من دون مساواة ضمن اقتصاد غير متنوع الموارد.
لبيبيا تتفوق مساحتها
على ألاسكا وبعدد سكان لا يزيد على ستة ملايين، 97 في المئة منهم مسلمون ويبلغ
إسهام النفط في أجمالي ناتج دخلها 54 في المئة وهي تشبه مملكة صحراوية بدوية بأكثر
من جيرانها العرب الآخرين.
تحت نظام العقوبات كانت صناعة النفط تتهاوى ولم تتمكن
ليبيا من الحصول على المهندسين او قطع الغيار للحفاظ على آبارها منتجة بالحد
الأقصى، تسبب كل ذلك في مشقة للسكان وأدى لنمو مجموعات معارضة سرية.
كابيس،
واعيا لكل هذا وأيضا لما يواجهه القذافي من ضغوط داخلية، فقام هو ومعاونيه بالعمل
بحذر ومراعاة. خلال الصيف كان ستيف كابيس ومثيله البريطاني من وكالة استخبارات «إم.
آي.5» في قسم مكافحة الإرهاب. مارك ألين توقفا أو أوقفا العالم. عندما تقابل كلاهما
مع كوسا وغيرهم من المتنفذين الليبيين في رقصات مصالح مشتركة، كوسا مثله مثل كابيس
كان يريد أيضا من القذافي العنيد أن يأتي للطاولة لإبرام اتفاق ما، ولقد تكلم
الرجلان عن العديد من القضايا والمسائل وعن تكتيكات مختلفة وأشياء قد تجعل الصفقة
«مبلوعة» لكن محور النقاش الرئيس كان موضوعه: عقل القذافي.
وفي نهاية هذا الصيف،
تقابل كابيس وألين في طرابلس مع القذافي للمرة الأولى، وخلال الاجتماع قاما بالضغط
عليه للحصول على معلومات معنية عن الأسلحة الليبية، القذافي كان لديه المواد
الكيماوية السامة مثل غاز الخردل، وهذا كان معروفا على نطاق واسع، ولكن في ما إذا
كان لديه وسيلة إيصال وقذف مناسبة وصالحة وقابلة للعمل فكان مسألة أخرى.
من خلال
مصدر معلومات داخل شبكة العالم المقاول الباكستاني عبدالقدير خان، علموا أن القذافي
حصل على محتوى مخزنين من الطاردات المركزية. ومع ذلك كان القذافي خلال مفاوضاته
معهم لا يدلي بالكثير من التفاصيل وعن مدى برامجه، خصوصا الكيماوي منها والنووي،
فطقم التفاوض الغربي كان يسأل سؤال الأسلحة عشرات المرات والقذافي كان يجيب بعشرات
الطرق.
القذافي كان يستعين بما يعرف بجاذبيته عند المخاطبة وجها لوجه، أو
«بشرعيته» حسب ما يقول كوسا. لم يكن الموضوع ما ستقوم به اليبيا، قال القذافي عند
إحدى نقاط التفاوض الحرجة، لكن ما يجب أن تفعله أيضا كدولة ذات سيادة! فمن سيضمن
أمن الدولة من جيرانها إذا لم يوافق هؤلاء على الموقف الرائد المنير اليوم للقذافي
بخصوص نزع الأسلحة؟
ما هي طبيعة الاتفاقات الملزمة ما بين دول مستقلة وما هي
الحدود لكل اتفاق ملزم؟... وهكذا استمرت المفاوضات.
مع أي ديكتاتور أو متفرد
بالسلطة، هناك دائما أولوية الشخصية، والمرسومة أساسا بفعل تملك السلطة، ومهما كانت
نقاط الخلاف المادية، القذافي كان بطريقة ما يبدو مستمتعا لهذه اللقاءات، وكان يميل
إلى كابيس وألين بصفتهما كبديلين عن الارتباط والاستغراق ذات المستوى الدولي
والعالي التي كان يحلم بها ويشتهيها بل كان جائعا نوعا لمثل ذلك. والحاجة التي كان
يعاني منها هي في الواقع ما جعلته يجلس على الطاولة أخيرا.
في أواخر أيام الصيف،
وفي زيارة مرهقة، رجع كابيس إلى لانغلي مركز «سي آي أي» بعد رحلة جوية استغرقت ليلة
كاملة، كان الرجل في قيافة أنيقة وبعيون مرتاحة. وقابل جو موزمان، وهو رئيس أركان
تينيت في الصالة، فقال له: «انك تبدو نشيطا تماما رغم هذه الأيام مع القذافي».
فأجاب :«لك أن تدعوني بالمجنون يا جون، بدأت أميل لهذا الرجل، المسألة هي يستطيع
كلانا إنقاذ ماء وجهه».
المفاوضات كانت ودية ولكن التقدم الملموس كان بطيئا، وفي
نهاية العام 2003، لم تقم ليبيا بتسليم المطلوب من قبل الرئيس بوش ألا وهو : قذافي
متواضع، موافق ومنحنيا لإرداة نظام العالم الجديد والقذافي لم يعترف بعد بتملكه
برنامجا نوويا والذي كانت أميركا عالمة به. بل وحتى تسوية لوكربي تبين أنها محاطة
بالعديد من العقبات، ولما كانت عقوبات الأمم المتحدة واجبة الرفع سبتمبر، لكن
الولايات المتحدة كانت تريد المزيد من التنازلات قبل أن ترفع عقوباتها هي ضد
ليبيا.
كان المطلوب من ليبيا أن تنزع أسلحتها وتقطع علاقاتها مع المنظات
الإرهابية وتعلن بلاغا علنيا رسميا بتغيير شخصيتها وأخلاقها. أما بالنسبة للقذافي
فما لم ترفع أميركا عقوباتها عن ليبيا، فلن يسدد بالكامل تسويات لوكربي المتفق
عليها.
ولم يحدث الحل حتى أكتوبر العام 2003، عندما اعترضت سفينة حربية أميركية
باخرة تحمل اسم «بي. بي. سي. تشاينا»، والتي كانت في طريقها من دبي إلى ليبيا وتحمل
معدات طرد مركزي. كانت المعلومة التي أدت لاعتراض الباخرة قادمة من اختراق «سي آي
أي» عبر سنوات عدة لشبكة عبدالقدير خان، وهكذا أصبح للقذافي سبب ملح بأن يعترف علنا
عن برنامجه السري المتعلق بأسلحة الدمار الشامل وبحرج أقل أن يكتشف الناس أمرك يحدث
أحيانا.
وهكذا عند الجلسة التالية من المفاوضات في طرابلس، عرض القائد الليبي
على كابيس وألين، ابتسامة قطة مستكينة اكتشف أمرها، وأخذا التقدم نحو الحل النهائي
يقترب أكثر فأكثر، ثم قام القذافي بالكشف عن أسراره التي كانت معلومة في لندن
وواشنطن، أو معظمها بخصوص البرنامج النووي وتم الاتفاق على بروتوكل ما في إجراءات
نزع السلاح.
وفي نوفمبر تم الاتفاق على تقرير البروتوكول اللازم، وفي ديسمبر
ستقوم الولايات المتحدة وبريطانيا باستكشاف المواقع الليبية مع ممثلين من وكالة
الطاقة الذرية، وألقوا نظرة على الطرود المركزية وقطعها التي ما زالت في الصناديق،
وحصل القذافي على ما يريد: رفعت العقوبات، وحسب وجهة نظر النخبة الحاكمة كانت
العملية برمتها مناورة أديرت بطريقة فنية عالية الكفاءة ومن دون فقدان ماء وجه من
قبل قائد الثورة.
أما بالنسبة للرئيس بوش، فلقد تمكن من القول ولمرات لا تحصى،
الشيء الذي كان يريد أن يقوله بإلحاح ورغبة شديدة وحتى يعوض عن حملة العراق التي
أخذت تتدهور وتنهار وتمثل بالنسبة له إنقاذ ماء وجه كذلك، أي بتخلي القذافي عن
برامج أسلحة الدمار الشامل كان نتيجة لغزو أميركا للعراق.
بالطبع لم يكن بوش ولا
القذافي ينطقان الحقيقة. مفتاح الاتفاق كان السماح بإنقاذ ماء الوجه لكلا الطرفين.
وبالطبع هذا المطلب يعتبر أوليا لكل الأمم وقادتها سواء كانت ديموقراطية أو سلطوية،
وهكذا عمل البيت الأبيض بكل حرص وعناية لإقناع الناس بأن نزع سلاح ليبيا لم يكن
ممكنا لولا إظهار القوة الجبارة في العراق، ولما كانت إدارة بوش تعلم جيدا بأن حل
القضية كان يكمن في شيء واحد، ألا وهو أنه ولمرة واحدة لم يعتد بمقاومة مبدأ عدم
مكافأة السلوك السيئ، وفي كلمات أخرى ومع سخط صقور البيت الأبيض، نزع سلاح القذافي
لم يكن سببه تطبيق إدارة بوش لقواعدها الجديدة أي مواجهة الدول المارقة بكل غضب
القوة.
تم التخلي عن هذا المبدأ في هذه المرة.
عن مجلة «واشنطن» الشهرية
والغت... لوكربي
في منتصف أكتوبر العام 2001، دخل بين بونك، أحد قدماء وكالة الاستخبارات الأميركية
«سي. آي. أي» بكل هدوء إلى منزل ارستقراطي قديم في شارع ريجينت بارك في لندن، بهدف
عقد اجتماع كان يأمل أنه سيكون انطلاقة لشيء ما.
يملك المنزل العتيق الأمير بندر
بن سلطان، سفير السعودية في الولايات المتحدة لمدة تزيد على 18 سنة. والأمير البالغ
من العمر 62 سنة يعتبر أحد الأصدقاء المخلّصين للرئيسين، بوش الأب وبوش الابن وموضع
ثقتهما. والرجل متعدد التعقيدات، مرح ومثقف ومراقب للأمور من جوانب عدة ويمكن رؤيته
وهو يتجول في ساحة ملعب إحدى مباريات التنس القومية في أميركا أو وهو يتناول العشاء
ويدخن السيجار في الجناح الغربي من البيت الأبيض (مسكن الرئيس الأميركي
الرسمي).
الأمير بندر معروف عنه أيضا أنه عندما يقوم بعمل فهو ينجزه، ويقوم
باستمرار ببناء علاقات تساهم بقوة في نجاحاته المستمرة.
في هذا اليوم (أي يوم
الزيارة)، قام الأمير بندر بالترحيب ببونك وأدخله الى صالون الشرق حيث كان في
الانتظار رجل أنيق ... مبتسما ومجسدا لكل ما هو محسوب على «الجانب الأسود».
بادر
الرجل الحامل لاسم موسى كوسا متحدثا مع بونك، قائلا من دون كلفة :« أمر مثير جدا...
فعالية لاعبي فريق السبارتان. (كرة سلة قومي)». ضحك بونك وقال :« نعم نعم لم نر
شيئا مثل هذا منذ أيام الساحر»، يقصد اللاعب الشهير ماجيك جونسون.
الرجلان كانا
يعرف احدهما الآخر في ولاية ميتشيغن، بونك تخرج من جامعتها العام 1976، وهو العام
السابق لوصول ماجيك جونسون للفريق، أما كوسا وهو المهووس بكرة السلة فكان يدرس
للحصول على درجة الماجستير في علم الاجتماع العام 1973، كانت أطروحة كوسا والتي لم
تقدم سوى بعد سنوات عدة من النوع الذي يطلق عليه (للحفظ). أي النوع الذي ينسخ منه
الأستاذ صورة ثم يضعها في الدرج، والسبب في ذلك لا يرجع إلى عمق التحليل، وإن كان
فيها بعض التحليل في صفحاتها الـ 209 مع الهوامش، لقد كانت بحثا مهما لأن صاحبها
كان حظي بمقابلة مع موضوع رسالته: معمر القذافي!
موسى كوسا من مواليد طرابلس في
عائلة معروفة. كان ذلك في زمن مضى، الزمن الحاضر، الرجلان قطعا شوطا طويلا منذ أيام
ملعب السبارتان في شرق لانسنغ وألوان الأخضر والأبيض المميزة.
بونك قضى أكثر من
20 عاما يسافر ويتجول لحساب الـ «سي آي أي»، خصوصا في البلاد العربية، تزوج لفترة
قصيرة، ثم طلق زوجته، مثله مثل العديد من عملاء المخابرات ثم أخذ يصعد سلم الوظيفة
ووصل إلى المراتب العليا، في العام2000 تسلم منصب نائب مدير لعمليات مكافحة الإرهاب
في الوكالة، الرجل ناعم الحديث هادئ ومتمالك لنفسه تماما على عكس مدير المركز جوفر
بلاك الذي ينزع إلى حب الظهور والبهرجة.
بونك الدائم الدقة والمصداقية، كان أقام
معسكرا مع نائب مدير الوكالة الآخر جون ماكلولين، في مزرعة بوش العام2000، أي شهرين
قبل الانتخابات والغرض كان لإعلام المرشح الديموقراطي بأسرار الدولة. (وهو إجراء
روتيني يعمل لكل المرشحين للرئاسة قبل الانتخابات)، بونك أخبر بوش المرشح بأن
العديد من الأميركيين سيموتون خلال السنوات الأربع المقبلة في عمليات إرهابية مخطط
لها أو مستوحاة من قبل أسامة بن لادن.
كوسا غادر لاسنغ إلى ليبيا، وفي العام
1980 توصل إلى منصب رئيس البعثة الليبية الديبلوماسية في لندن أو سفير ليبيا في
المملكة المتحدة. وفي مقابلة صحافية مع صحيفة «صنداي تايمز»، قال كوسا أنه يدعم
الجيش الجمهوري الإيرلندي وأن معارضين للقذافي كانا يعيشان في لندن سيتم قتلهما،
فتم طرده بسرعة من البلاد. وبعد مغادرته بريطانيا عثر على الرجلين مقتولين. قتل
أيضا العديد من المنشقين الليبيين في أنحاء أوروبا في السنة التالية.
وفي
الثمانينات كان القذافي يبحث عن دور لاعب رئيسي في المسرح الدولي، لم يكن يملك من
الوسائل سوى الإرهاب. وفي منتصف الثمانينات كان الرئيس الأميركي السابق رونالد
ريغان يطلق عليه نعت «أخطر رجل في العالم» وقامت الولايات المتحدة بقصف ليبيا
العام1986 وأدى الهجوم الى مقتل ابنة القذافي وجرح اثنين من أولاده، وكانت العملية
انتقاما وردا على تفجير ملهى لا بيل الليلي في ألمانيا وانتهى الأمر بفرض عقوبات
أميركية صارمة على البلاد.
وفي ديسمبر العام 1988، عانت الولايات المتحدة من
أفظع العمليات الإرهابية، انفجار طائرة «بانام» فوق لوكربي حيث قتل في الحادث 270
شخصا، معظمهم من الأميركيين بما في ذلك 35 طالبا من جامعة سيراكوزا، ومن ضمن
المخططين لهذه العملية موسى كوسا، أحد زملاء بونك في السبارتان، والمعلومة متفق
عليها عموما في كل وكالات استخبارات الغرب، رحلة لوكربي حدثت عندما كان موسى كوسا
نائبا لرئيس الاستخبارات الليبية، وبعد ذلك بقليل، تم ربط اسم كوسا كذلك في عملية
تفجير طائرة «يو تي أي» الفرنسية الرحلة 772 فوق صحراء النيجر العام 1989 حيث قتل
فيها 170 شخصا، على الأقل هذا ما كانت تجزم به المخابرات البريطانية
والفرنسية.
وفي نهاية الثمانينات، كان القذافي دمر معظم علاقات ليبيا مع العالم،
وأصبحت العزلة لهذا البلد لا مفر منها، لكن الأمور تغيرت مع انتهاء
التسعينات.
وفي العام 1998، طار كل من مدير «سي آي أي» جورج تينيت منذ عام
ونائبه لشؤون الاستخبارات ماكلولين إلى جدة لمقابلة الأمير بندر بن سلطان. وفي
منزله الذي قال عنه ماكلولين إنه يشبه «عالم ديزني» حيث كانت القرود تقفز في أرجائه
وشاشات تلفزيون عملاقة في كل مكان، أشار الأمير بندر الى أنه قام بمحادثة القذافي
أخيرا وقال: «أعتقد أنه يريد التحدث(...) الرجل تعب من وحدته!».
كان الأمير بندر
محقا في السنة التالية «تسلل» كوسا إلى جنيف حيث قابل بونك، وما بدا واضحا لبونك في
حينه هو أن الليبيين تعبوا من استبعادهم المستمر من المجتمع الدولي ولم يعد في
إمكانهم إرسال أولادهم «المدللين» الى الجامعات الأميركية وأخذوا يختنقون تحت وطأة
العقوبات التي كانت تحد من كل شيء من البضائع المعتادة إلى قطع غيار معامل التكرير
والتي تحول معظمها إلى خردة...
كانت البداية في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل
كلينتون اذ قام مدير مجلس الأمن القومي الملحق في البيت الأبيض بروس ريدل بمناقشات
تهدف إلى تسوية موضوع لوكربي. الموضوع كان شائكا ولابد من معالجته في منتهى
السرية.
منذ العملية الرهيبة قامت عائلات ضحايا لوكربي بتأسيس مجموعة ضغط فعالة
ذات صوت عال وتنادي بالقبض على مرتكبي الجريمة وبالعقوبات وبأي شيء من شأنه يشبه
تطبيق عدالة ما. ولهذا السبب كان أي خبر عن حوار مع «وحوش» طرابلس من شأنه أن يفجر
الزوابع من قبل العائلات التي فقدت أحباءها صورهم موضوعة على مناضدها الليلية ومن
أفلام العائلة الخاصة ومن الذكريات التي أخذت تضمحل شيئا فشيئا...
ثم حدثت فاجعة
هجمات 11 سبتمبر 2001 وأخذ الحوار يتطور بصورة درامية، الولايات المتحدة وحلفاؤها
الغربيون كانوا على حين فجأة في حاجة شديدة لشيء معين من ليبيا : المعلومات
الاستخباراتية.
وبعد 21 عاما من طرده من بريطانيا وشهر واحد فقط من هجمات
سبتمبر، هبط موسى كوسا في مطار هيثرو في لندن حيث كان في استقباله وفد من كبار
المسؤولين من ديبلوماسيين ورجال مخابرات من بريطانيا والولايات المتحدة. كان موسى
يحمل ملفات كاملة تحوي أسماء وأماكن إرهابيين إسلاميين في أوروبا وشمال أفريقيا
والشرق الأوسط.
تجاوز لوكربي
ذهب الجميع في كوكبة كبيرة إلى منزل الأمير
بندر، باعتباره أرضا محايدة كمجاملة من السعوديين، كان ذلك بعد ثلاثة أيام من بدء
أميركا قصف أفغانستان حيث أسامة بن لادن.
وفي الصباح كانت الاجتماعات بين موسى
كوسا و وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، محورها كان قضية
لوكربي وعائلات ضحاياها وما إذا كانت ليبيا مستعدة للقبول بالمسوؤلية عن الجريمة ثم
صفقة ثنائية في شأن نزع أسلحة الدمار الشامل، لقد كان من المعروف على نطاق واسع أن
ليبيا لديها أسحلة كيماوية وربما بيولوجية. تم إخبار موسى كوسا أن كل ذلك يجب
التخلي عنه. لم يكن كوسا ملتزما موقفا لكنه كان يستمع جيدا، بلاده في الواقع يديرها
شخص واحد ورجل واحد فقط يستطيع أن يوافق على مثل هذا الأمر.
لم يتمكن كوسا و
بونك من الجلوس والتحدث سويا عن هوايتهما المشتركة سوى في نهاية ما بعد الظهر حيث
أخذا يتجاذبان أطراف الحديث عن المباريات واللاعبين.
لم يكن الأمر «تسليك حناجر»
فقط، فهم معنى «الحرب على الإرهاب» والإشكاليات الأخلاقية عند التعامل مع «الجانب
الأسود»... عليك أن تكون على مثل هذه الطاولة في مثل هذا القصر العائد لسفير بارز
من بلاد قام 15 مواطنا منها من أصل 19 فردا بعملية 11 سبتمبر، وليس من السهل الجلوس
والتحدث مع رجل أنيق مهذب متهم بقتل حمولة طائرة من الركاب قبل حتى أن تتاح لهم
الفرصة لتناول طعامهم فيها. هناك عائلات هؤلاء الأطفال في رحلة لوكربي والتي إن
قرأت هذه الجلسة، فقد يقومون بصب اللعنات بل وقد يقذفون ما في أفواههم. موسى كوسا
ورئيسه كانا دائما حاضرين في كوابيسهم الليلية.
هل يستطيع إنسان أن ينسى مثل
هكذا سلوك؟ هل من الممكن الجلوس والتحدث عن كرة السلة مع ممثل حكومة الولايات
المتحدة معتبرا ذلك نوعا من الغفران؟
ولكن أميركا كانت في حاجة، لقد كان الجميع
يتوقع موجة جديدة من الهجومات، ومصادر معلومات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
كانت شحيحة. كانت في حاجة إلى عيون خبيرة، والخبرة تأتي في أشكال عدة. وهكذا خرح
التصريح بالنية : اسمع يا موسى، تستطيع أن تضع لوكربي جانبا. نحن نريد تسوية
الموضوع. أنتم تريدون تسوية الموضوع، نحن سويا نحتاج أن نتجاوز المسألة الآن. هكذا
تحدث بونك.
بدا الارتياح على محيا موسى كوسا. لقد كان ينتظر سنوات عدة لسماع مثل
هذا الكلام الخارج من فوه بونك لتوه، الليبيون كانوا على استعداد للدفع بسخاء
لتعويض عائلات الضحايا الذين ماتوا. قال لبونك عندئذ :«نحن أيضا يا بيني نريد تجاوز
هذا الموضوع».
ثم انتقل بونك إلى الجدية الكاملة وقال: «كل شيء تغير منذ هجمات
سبتمبر، هناك أمران، نحن نحتاج الى أن تتخلوا عن أسلحة الدمار الشامل ونحتاج
وبأهمية أكبر المساعدة في حربنا ضد الإرهابيين».
رد كوسا :« نحن نتفهم كل ذلك».
وفي الليلة نفسها أعطى كوسا لبونك أسماء مهمة جدا بمن فيهم ابن الشيخ الليبي، وهو
مواطن ليبي ناشط والذي سيكون موضوع أول عملية إلقاء قبض تنجح فيها الولايات المتحدة
بالحرب على الإرهاب ومعه أسماء أخرى عدة والتي ستساعد أميركا فعليا في تفكيك
المجموعة الباكستانية المتورطة في نشر تقنية الأسحلة النووية للبلدان الإسلامية
الأخرى.
الانفتاح من القذافي
التعاون الليبي في مسائل الاستخبارات كانت أكثر
المساعي أهمية في المصالحة ما بين القذافي والولايات المتحدة إلى تاريخنا هذا، لكن
بينما كان حل عقدة العلاقات وشيكا، ومع إمكان اتفاق شامل، كان التقدم بطيئا نوعا
ما، الموضوع الأول كان التسوية الهادئة لقضية التعويضات المالية لعائلات ضحايا
لوكربي، يضاف إلى ذلك نقل بونك من قسم مكافحة الإرهاب إلى رئاسة قسم الاستخبارات في
الشرق الأوسط. وهكذا لم يعد هناك الميزة السابقة بتوافر حلقة اتصال جيدة مع
الليبيين ومن ثم خفت وتيرة التحسن خلال العام 2002. ولم يتوافر عنصر آخر ليملأ
الفراغ الناتج.
ولم تتحرك الأمور مجددا إلا في مارس العام 2003، رئيس وزراء
بريطانيا توني بلير قام بإخطار بوش بأن الليبيين أبلغوه رسالة فحواها أن القذافي
الآن يريد التدخل شخصيا في المفاوضات. القذافي نفسه؟ كان ذلك حقا مفاجأة. المفاوضات
أعيد لها الحياة بالصعقة الكهربائية، كان رئيس «سي آي أي» في حاجة ماسة لشخص ما لكي
يذهب إلى طرابلس ويتابع الموضوع مع الليبيين، والشخص الذي عثروا عليه لم يكن سوى
ستيف كابيس، وهو عميل مخضرم ذو 22عاما من الخبرة في قسم الخدمة السرية في الوكالة
العتيدة، كان لاعب كرة قدم أميركية جامعي وجندي مارينز سابق، ببدن قوي صارم وخشن،
صوت ناعم وموهوب في حسن الحديث الدقيق المناسب، كان في هذه الفترة نائب مدير
العمليات الثاني في الوكالة ومن المنتظر أن يتولى رئاسة قسم العمليات.
عندما
أحضر مدير الوكالة جورج تينيت كابيس معه إلى البيت الأبيض نهاية مارس، أعجب به
الرئيس فورا، فجندي المارينز السابق أثار لديه انطباعا جيدا والرئيس لم يكن سهل
الإعجاب بالناس عادة.
خلال الأيام التالية تحادث كل من بوش ونائبه ديك تشيني و
تينينت عن تعقيدات مفاوضات نزع الأسلحة مع الزعيم الليبي، الكل كان يرى هنالك فرص
جيدة ولكن أيضا بعض المخاطر، فالتعامل مع القذافي كان محفوفا ببعض التحديات، الرجل
كان يملك السلطة المطلقة في ليبيا وفي إمكانه تشكيل الوضع والناس الواقعين تحته كما
يريد، وتطميناته وتعهداته، إن كانت حقيقة قدمت، قد يكون من الصعب جني
ثمارها.
تشيني أبدى الكثير من الشكوك كان يفكر بسياسة الولايات المتحدة الشاملة
واستراتيجيتها المتعلقة والهادفة لتغيير سلوك الدول الأجنبية من خلال استعمال القوة
المسلحة، وكان يقول :«القذافي كان يتصرف بطريقة سيئة للغاية لسنوات عدة، ونحن لا
نريد أن نكافأه على السلوك السيئ بعقد اتفاق معه قد يعني الغفران له عن
سوءاته».
كان هذا النقاش يدون بينما تحشد أميركا قواتها لغزر دولة مارقة في
الخليج، وبالتالي ما كان يعنيه أن يقوم رجال القذافي بمبادرات لتسريع مفاوضات نزع
الأسلحة؟
هل الأمر يثبت صحة الحرب الوشيكة؟
هل يعني أن دولة خارجة على
القانون هي الآن مستعدة للانحناء أمام قواعد أميركا الجديدة والنظام الجديد؟ أم هل
كان الأمر مجرد مصادفة؟
بوش من جانبه كان يرى في عرض القذافي بتسريع المفاوضات
كدليل على أن غزو العراق أصبح أداة تغيير صالحة لقواعد اللعبة. لكن العديد من
مستشاري الخارجية والاستخبارات أخبروا بوش أنهم يرون الموضوع برؤية أخرى مختلفة،
العراق حسب ماقالوا، قد يكون ساهم في شكل متواضع، لكن الولايات المتحدة أذا لم تصر
دائما على التسوية المالية وشرط إنهائها قبل المباشرة في مفاوضات نزع الأسلحة،
القذافي كان من الممكن يقوم بهذه المبادرة منذ سنوات.
أومأ بوش برأسه وقال: «قد
يكون ذلك صحيحا لكن ذلك لم يعد له أهمية، فتوقيت القذافي بمبادرته نستطيع أن نستغله
بصورة مفيدة جدا، وبغض النظر عن الحقيقة الفعلية الكامنة»، فالسؤال، كما يقول بوش،
هو «التأكد من أننا سنحصل على فائدة من العملية أمامنا، وبعد ذلك نستطيع أن نخرج
بإعلان بأن (الباكس أميركانا) أي عصر السلام الأميركي المفروض عنوة، قد بدأ يؤتي
ثماره والدليل على ذلك أمامكم. انظروا إلى ليبيا! وهذا في الحد نفسه سيحسن من سلوك
الاخرين».
لم يكن الأمر مسألة تقديم مجرد، بل إدارة المفهوم أو ما يفهمه الآخر،
وإرسال «الرسالة» للعالم كان هو الهدف، فلنضع مسألة «المفهوم الذي يفهم» جانبا، نزع
السلاح كان دائما هدفا لمدة طويلة منذ ابتداء المفاوضات الأميركية- الليبية السرية
من العام 1992 في شأن لوكربي، إلى اجتماع الأمير بندر مع تينينت ونائبه ماكلولين
العام 1998 في جدة، إلى اتصالات بين بونك مع موسى كوسا في شأن مسائل تتعلق بأمور
الاستخبارات الشهور التي تلت هجمات سبتمبر، وحوارت كوسا وبونك والتي وإن كانت تحقق
بعض المكاسب إلا أنها كانت تجري خارج إطار مسار آخر بالغ الأهمية، ألا وهو عائلات
ضحايا لوكربي.
هذه المسألة بالذات (العائلات) كان لابد أن يتم تسويتها أولا،
ووافق الديبلوماسيون البريطانيون والأميركيون على وضع مسألة التفاوض على نزع السلاح
مع ليبيا جانبا إلى حين إقفال ملف تعويضات الضحايا. أحد موظفي الخارحية الأميركية
الكبار تحدث عن ذلك بوضوح :«إنك لا تستطيع خلط موضوع تعويض العائلات مع نزع السلاح
الكيماوي وتفكيك بنيته».
تم الوصول إلى حل المعضلة بهدوء في مايو العام 2002،
والاتفاق التي تم الوصول إليه مع العائلات لم يكن ليواسيها أو يقلل من حزنها الذي
تسبب في فرض العقوبات على ليبيا لمدة 15 سنة، ولكن كان هذا مالا. كل عائلة ستستلم
مبلغ عشرة ملايين دولار وبما مجموعه 2.7 مليار، وهكذا أخيرا تستطيع أميركا وليبيا
أن تتحدثا عن نزع الأسلحة بكل جدية.
لمتابعة الصفقة، وافق بوش مع تينيت على
اختيار كابيس للتفاوض مع القذافي الرجل المصاب بجنون وتوهم العظمة. من الواضح أن
كابيس كان يستطيع المحافظة على الأسرار، لذلك أعطاه الرئيس أحد هذه الأسرار، و لا
يجب أبدا على أحد أن يعرف بهذا السر، ولا حتى، وزارة الخارجية أو وزراة الدفاع ولا
حتى وزير الدفاع أو وزير الخارجية باول، لا أحد على الإطلاق يجب أن يعلم بهذه
المبادرة الخطيرة الرئيسية.
بالنسبة للرجل الذي سيتعامل مع كابيس، لم يكن الخيار
المتاح ما بين نزع أو عدم نزع الأسلحة، القذافي كان يعرف جيدا أن عليه نزع سلاحه
حتى يستطيع أن يحظى بالقبول الدولي من دون عقوبات وهو ما كان يرغبه في شدة ويحلم
به، ولكن المسألة كانت عن كيفية القيام بنزع السلاح هذا وبالطريقة التي تظهره أمام
شعبه وهيبته لم ينقصا وكذلك أمام الدول العربية الأخرى وبالطبع على أن لا تظهر
قراراته المتخذة سابقا على حقيقتها أي أنها لم تكن صائبة وأدت لمعاناة عشر سنوات من
المقاطعة.
القذافي توصل للسلطة بواسطة انقلاب عسكري أبيض العام 1969 وكان دائما
يرى في نفسه قائدا فاتحا صاحب رؤية متمثلة في ما اعتنقه وابتكره بنفسه، ألا هو
«النظرية العالمية الثالثة» وهي عبارة عن خلطة من الاشتراكية وصيغة خاصة من الإسلام
و مستلهمة من ممارسات البلاد القبلية. وكان الرجل ينتظر من شعبه أن يطبقها
بحذافيرها على طريقة «ديموقراطية مباشرة».
استخدم القذافي أموال صادرات النفط
لترويج أفكاره في الخارج خلال السبعينات والثمانيات ثم تمويل الإرهاب الذي كان
يتصور بأنه كفيل بإنهاء الرأسمالية والشيوعية معا، الرجل كان يعتقد في ذلك لأنه كان
يشعر بأنه رسول عظيم.
لكن الذي حدث كان شيئا مختلفا تماما، الذي أتى به القذافي
لنفسه كان الحصار الدولي والعقوبات، وفي 1986 وحتى قبل لوكربي، قامت الولايات
المتحدة بفرض حظر على التعامل مع ليبيا والسفر إليها، وابتداء من 1992، قامت الأمم
المتحدة بفرض حصار «شرجي» ومنعت تصدير المعدات اللازمة لصناعة النفط. النتيجة لكل
ذلك كان تموضع ليبيا الإجباري في علبة مليئة بالرمل بينما أصبح جيرانها يزدادون
ثراء من النفط.
معدل دخل الفرد من الناتج المحلي العام 2003 كان في حدود 6400
دولار من أموال النفط وهو أقل من حصة مواطني دول منظمة أوبك، وحتى هذا الدخل كان
يتم توزيعه من دون مساواة ضمن اقتصاد غير متنوع الموارد.
لبيبيا تتفوق مساحتها
على ألاسكا وبعدد سكان لا يزيد على ستة ملايين، 97 في المئة منهم مسلمون ويبلغ
إسهام النفط في أجمالي ناتج دخلها 54 في المئة وهي تشبه مملكة صحراوية بدوية بأكثر
من جيرانها العرب الآخرين.
تحت نظام العقوبات كانت صناعة النفط تتهاوى ولم تتمكن
ليبيا من الحصول على المهندسين او قطع الغيار للحفاظ على آبارها منتجة بالحد
الأقصى، تسبب كل ذلك في مشقة للسكان وأدى لنمو مجموعات معارضة سرية.
كابيس،
واعيا لكل هذا وأيضا لما يواجهه القذافي من ضغوط داخلية، فقام هو ومعاونيه بالعمل
بحذر ومراعاة. خلال الصيف كان ستيف كابيس ومثيله البريطاني من وكالة استخبارات «إم.
آي.5» في قسم مكافحة الإرهاب. مارك ألين توقفا أو أوقفا العالم. عندما تقابل كلاهما
مع كوسا وغيرهم من المتنفذين الليبيين في رقصات مصالح مشتركة، كوسا مثله مثل كابيس
كان يريد أيضا من القذافي العنيد أن يأتي للطاولة لإبرام اتفاق ما، ولقد تكلم
الرجلان عن العديد من القضايا والمسائل وعن تكتيكات مختلفة وأشياء قد تجعل الصفقة
«مبلوعة» لكن محور النقاش الرئيس كان موضوعه: عقل القذافي.
وفي نهاية هذا الصيف،
تقابل كابيس وألين في طرابلس مع القذافي للمرة الأولى، وخلال الاجتماع قاما بالضغط
عليه للحصول على معلومات معنية عن الأسلحة الليبية، القذافي كان لديه المواد
الكيماوية السامة مثل غاز الخردل، وهذا كان معروفا على نطاق واسع، ولكن في ما إذا
كان لديه وسيلة إيصال وقذف مناسبة وصالحة وقابلة للعمل فكان مسألة أخرى.
من خلال
مصدر معلومات داخل شبكة العالم المقاول الباكستاني عبدالقدير خان، علموا أن القذافي
حصل على محتوى مخزنين من الطاردات المركزية. ومع ذلك كان القذافي خلال مفاوضاته
معهم لا يدلي بالكثير من التفاصيل وعن مدى برامجه، خصوصا الكيماوي منها والنووي،
فطقم التفاوض الغربي كان يسأل سؤال الأسلحة عشرات المرات والقذافي كان يجيب بعشرات
الطرق.
القذافي كان يستعين بما يعرف بجاذبيته عند المخاطبة وجها لوجه، أو
«بشرعيته» حسب ما يقول كوسا. لم يكن الموضوع ما ستقوم به اليبيا، قال القذافي عند
إحدى نقاط التفاوض الحرجة، لكن ما يجب أن تفعله أيضا كدولة ذات سيادة! فمن سيضمن
أمن الدولة من جيرانها إذا لم يوافق هؤلاء على الموقف الرائد المنير اليوم للقذافي
بخصوص نزع الأسلحة؟
ما هي طبيعة الاتفاقات الملزمة ما بين دول مستقلة وما هي
الحدود لكل اتفاق ملزم؟... وهكذا استمرت المفاوضات.
مع أي ديكتاتور أو متفرد
بالسلطة، هناك دائما أولوية الشخصية، والمرسومة أساسا بفعل تملك السلطة، ومهما كانت
نقاط الخلاف المادية، القذافي كان بطريقة ما يبدو مستمتعا لهذه اللقاءات، وكان يميل
إلى كابيس وألين بصفتهما كبديلين عن الارتباط والاستغراق ذات المستوى الدولي
والعالي التي كان يحلم بها ويشتهيها بل كان جائعا نوعا لمثل ذلك. والحاجة التي كان
يعاني منها هي في الواقع ما جعلته يجلس على الطاولة أخيرا.
في أواخر أيام الصيف،
وفي زيارة مرهقة، رجع كابيس إلى لانغلي مركز «سي آي أي» بعد رحلة جوية استغرقت ليلة
كاملة، كان الرجل في قيافة أنيقة وبعيون مرتاحة. وقابل جو موزمان، وهو رئيس أركان
تينيت في الصالة، فقال له: «انك تبدو نشيطا تماما رغم هذه الأيام مع القذافي».
فأجاب :«لك أن تدعوني بالمجنون يا جون، بدأت أميل لهذا الرجل، المسألة هي يستطيع
كلانا إنقاذ ماء وجهه».
المفاوضات كانت ودية ولكن التقدم الملموس كان بطيئا، وفي
نهاية العام 2003، لم تقم ليبيا بتسليم المطلوب من قبل الرئيس بوش ألا وهو : قذافي
متواضع، موافق ومنحنيا لإرداة نظام العالم الجديد والقذافي لم يعترف بعد بتملكه
برنامجا نوويا والذي كانت أميركا عالمة به. بل وحتى تسوية لوكربي تبين أنها محاطة
بالعديد من العقبات، ولما كانت عقوبات الأمم المتحدة واجبة الرفع سبتمبر، لكن
الولايات المتحدة كانت تريد المزيد من التنازلات قبل أن ترفع عقوباتها هي ضد
ليبيا.
كان المطلوب من ليبيا أن تنزع أسلحتها وتقطع علاقاتها مع المنظات
الإرهابية وتعلن بلاغا علنيا رسميا بتغيير شخصيتها وأخلاقها. أما بالنسبة للقذافي
فما لم ترفع أميركا عقوباتها عن ليبيا، فلن يسدد بالكامل تسويات لوكربي المتفق
عليها.
ولم يحدث الحل حتى أكتوبر العام 2003، عندما اعترضت سفينة حربية أميركية
باخرة تحمل اسم «بي. بي. سي. تشاينا»، والتي كانت في طريقها من دبي إلى ليبيا وتحمل
معدات طرد مركزي. كانت المعلومة التي أدت لاعتراض الباخرة قادمة من اختراق «سي آي
أي» عبر سنوات عدة لشبكة عبدالقدير خان، وهكذا أصبح للقذافي سبب ملح بأن يعترف علنا
عن برنامجه السري المتعلق بأسلحة الدمار الشامل وبحرج أقل أن يكتشف الناس أمرك يحدث
أحيانا.
وهكذا عند الجلسة التالية من المفاوضات في طرابلس، عرض القائد الليبي
على كابيس وألين، ابتسامة قطة مستكينة اكتشف أمرها، وأخذا التقدم نحو الحل النهائي
يقترب أكثر فأكثر، ثم قام القذافي بالكشف عن أسراره التي كانت معلومة في لندن
وواشنطن، أو معظمها بخصوص البرنامج النووي وتم الاتفاق على بروتوكل ما في إجراءات
نزع السلاح.
وفي نوفمبر تم الاتفاق على تقرير البروتوكول اللازم، وفي ديسمبر
ستقوم الولايات المتحدة وبريطانيا باستكشاف المواقع الليبية مع ممثلين من وكالة
الطاقة الذرية، وألقوا نظرة على الطرود المركزية وقطعها التي ما زالت في الصناديق،
وحصل القذافي على ما يريد: رفعت العقوبات، وحسب وجهة نظر النخبة الحاكمة كانت
العملية برمتها مناورة أديرت بطريقة فنية عالية الكفاءة ومن دون فقدان ماء وجه من
قبل قائد الثورة.
أما بالنسبة للرئيس بوش، فلقد تمكن من القول ولمرات لا تحصى،
الشيء الذي كان يريد أن يقوله بإلحاح ورغبة شديدة وحتى يعوض عن حملة العراق التي
أخذت تتدهور وتنهار وتمثل بالنسبة له إنقاذ ماء وجه كذلك، أي بتخلي القذافي عن
برامج أسلحة الدمار الشامل كان نتيجة لغزو أميركا للعراق.
بالطبع لم يكن بوش ولا
القذافي ينطقان الحقيقة. مفتاح الاتفاق كان السماح بإنقاذ ماء الوجه لكلا الطرفين.
وبالطبع هذا المطلب يعتبر أوليا لكل الأمم وقادتها سواء كانت ديموقراطية أو سلطوية،
وهكذا عمل البيت الأبيض بكل حرص وعناية لإقناع الناس بأن نزع سلاح ليبيا لم يكن
ممكنا لولا إظهار القوة الجبارة في العراق، ولما كانت إدارة بوش تعلم جيدا بأن حل
القضية كان يكمن في شيء واحد، ألا وهو أنه ولمرة واحدة لم يعتد بمقاومة مبدأ عدم
مكافأة السلوك السيئ، وفي كلمات أخرى ومع سخط صقور البيت الأبيض، نزع سلاح القذافي
لم يكن سببه تطبيق إدارة بوش لقواعدها الجديدة أي مواجهة الدول المارقة بكل غضب
القوة.
تم التخلي عن هذا المبدأ في هذه المرة.
عن مجلة «واشنطن» الشهرية
أميرالجبل- مشرف قسم الهندسة الكيميائية
- الجنس :
عدد المساهمات : 288
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 12/02/2012
رد: سري جدااااااا
مشكووووووووووووووووووووووووووور [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
Admin- مدير الموقع
- الجنس :
البرج :
عدد المساهمات : 2834
السٌّمعَة : 116
تاريخ التسجيل : 14/09/2010
العمر : 39
رد: سري جدااااااا
موضوع جميل
شكرا الك
شكرا الك
م.محمد- مهندس جديد
- الجنس :
البرج :
عدد المساهمات : 46
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 26/11/2010
العمر : 30
ريموندا- مشرفة قسم المهندسة السورية
- الجنس :
عدد المساهمات : 600
السٌّمعَة : 23
تاريخ التسجيل : 12/03/2012
رد: سري جدااااااا
مشكووووووو يا اميرنا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
غيهب- مهندس نشيط
- الجنس :
عدد المساهمات : 73
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 02/02/2012
رد: سري جدااااااا
مشكووووووووووووووووووووووووووور
ع مجهودك يا غالي
ع مجهودك يا غالي
hop- مشرفة قسم الموسيقا
- الجنس :
البرج :
عدد المساهمات : 532
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 21/02/2012
العمر : 35
الموقع : ملتقى المهندسين السورين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
19/11/2024, 2:54 am من طرف Admin
» بوت ربح جديد يضرب بقوة... ادخل واربح
1/11/2024, 2:47 am من طرف Admin
» يلي مالحقو يستفيدو من الموسم الاول... انضم الى الموسم الثاني من هذا البوت وحقق ارباح رائعة
5/10/2024, 5:18 pm من طرف Admin
» مع الشرح بالفيديو.. أفضل موقع لربح ٢٠ دولار يوميا... سيجعلك تحذف كل مواقع وتطبيقات الربح الاخرى
28/9/2024, 12:35 am من طرف Admin
» اخيرا هامستر كوبات يعلن عن موعد ادراج عملة هامستر وتوزيع الارباح للمشتركين في البوت
30/8/2024, 7:41 am من طرف Admin
» تحديث هام لبوت هامستر.. لاتضيع الوقت انضم إلى اللعبة وقم بجمع المال قبل فوات الاوان
4/8/2024, 1:43 pm من طرف Admin
» موقع تعدين عملة TRX مجاناً والحد الادنى للسحب ٥ من عملة TRX
24/7/2024, 2:48 pm من طرف Admin
» موقع مجاني لتعدين عملة Doge coin.
23/7/2024, 11:54 pm من طرف Admin
» عودة بوت التيليجرام راغنار لشحن موقع ايشانسي وسحب الارباح منه بعد فترة صيانة لإضافة التحديثات
22/7/2024, 11:02 pm من طرف Admin
» مازال لديك الفرصة لتربح الكثير.... ادخل واغتنم الفرصة قبل فواتها
20/7/2024, 3:28 pm من طرف Admin