[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




ولد بيتر اليتش تشايكوفسكي في السابع من أيار/مايو 1840 لأسرة ميسورة الحال
في بلدة فوتكينسك الروسية. كان ابوه كبير مفتشي المناجم الحكومية وأمه من
أسرة فرنسية مهاجرة.

وعندما كان تشايكوفسكي في الرابعة من عمره استعانت أمه بمربية فرنسية
لرعاية أطفالها، كما اعتادت الأسر الروسية آنذاك أن تفعل، ويقول من أرخ
لتشايكوفسكي إن مربيته الفرنسية وكانت تدعى فاني دوباخ أثرت فيه كثيرا.

بدأ تشايكوفسكي تعلم العزف على البيانو في الخامسة من عمره. وحقق تقدماً
سريعاً في دراسته. وكانت السنوات الأربع التي أمضتها المربية مع الأسرة
أسعد سنوات حياته لذا كان حزنه عظيماً عندما تركتهم بعد أن قرر والده
الانتقال إلى موسكو سعيا لوظيفة أفضل هناك.

وصلت الأسرة الى موسكو في خريف عام 1848 ولكن الاب أصيب بخيبة أمل حينما
وجد أن الوظيفة التي سعى لها شغلها آخر، وزاد الطين بلة انتشار وباء
الكوليرا في موسكو في ذلك الوقت.

عاد الأب بأسرته إلى بطرسبورغ. وهناك وضع بيتر وشقيقه الأكبر نيكولاس
بمدرسة داخلية مترك أثرا سيئا على نفسية بيتر الصغير بعد سنوات السعادة
التي عاشها في رعاية مربيته.

كان بيتر يكتب الى مربيته بين الحين والحين. فقد كتب اليها رسالة في عام
1850 قال فيها (إنني لا أفارق البيانو. وهو يدخل البهجة إلى نفسي كلما كنت
حزيناً).

كان تشايكوفسكي شديد الانطوائية شديد الحساسية لأي نقد، متعلقا بأمه جدا
فكانت وفاتها وهو في الرابعة عشرة من عمره مأساة تركت في نفسه أثرا عميقا،
وحنينا مستمرا لأيام طفولته السعيدة. ويقول مؤرخو الموسيقى إن تشايكوفسكي
عبر عن حنينه ذاك بصورة مؤثرة في الحركة الثانية من سيمفونيته الرابعة.

بدأ تشايكوفسكي بتأليف كونشرتو البيانو الأول وهو في الخامسة والثلاثين من
عمره. وقد لقي الكونشرتو نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة. وعزف بعد ذلك
في روسيا في مدينة بطرسبرج.
ويعكس كونشرتو البيانو الأول بعض الخصائص الأساسية لمؤلفات تشايكوفسكي كقوة
التعبير الدرامي وجمال الألحان وبراعة التلوين الاوركسترالي. كما يعكس
تأثره بالمدرسة الغربية بالمقارنة إلى معاصريه الذين تزعموا المدرسة
الروسية في التأليف الموسيقي.

والواقع أن تشايكوفسكي لم يبدأ موسيقياً محترفاً. فقد كان موظفاً في وزارة
العدل بعد تخرجه من مدرسة الحقوق في عام 1859. ثم التحق بكونسرفتوار موسكو
الذي كان قد أنشىء حديثاً في عام 1862 ولكنه استقال بعد ذلك بعام ليتفرغ
كلية للتأليف الموسيقي. وكان عمره آنذاك ثلاثة وعشرين عاماً. وما لبث أن
عين بعد تخرجه أستاذا لمادة الهرموني في نفس المعهد.

ويشير المؤرخون للموسيقار الروسي إلى انه ترك معهد موسكو الموسيقي بعد أن
استمتعت أرملة ثرية تدعى ناديجدا فون مك لموسيقاه فقررت أن تتبنى أعماله،
وخصصت له مرتباً سنوياً ليترك وظيفته كمدرس في المعهد ويتفرغ كلية للتأليف.


وتبدو علاقة تشايكوفسكي غريبة بالأرملة الثرية فقد استمرت العلاقة 14 عاما
لكنها اقتصرت على تبادل الرسائل وحسب. فقد كان كلاهما مصمما ألا يلتقي
بالآخر. وكانت راحة تشايكوفسكي وتفرغه لموسيقاه شغلا شاغلاً لناديجدا.

كان الموسيقيون الخمسة الكبار يتزعمون الحياة الموسيقية في روسيا في تلك
الفترة. وكان تشايكوفسكي على صلة بهم. ورغم خلفيته الدراسية الأعمق وقدراته
الأفضل من الناحية التكتيكية إلا أن تأثيرهم على أسلوبه بدا واضحاً في
موسيقاه التي ألفها في أواخر ستينيات القرن التاسع عشر وأوائل سبعينياته
وقد كتب افتتاحية روميو وجوليت عام 1869 بناء على اقتراح بالاكيريف زعيم
الجماعة. وكان موضوعها مأساوياً بدرجة تكفي لان يبدع تشايكوفسكي عملاً يعد
من أروع مؤلفاته. صور فيه الحب المأساوي خير تصوير.

عندما كان تشايكوفسكي منكباً على تأليف سيمفمونيته الرابعة في عام 1877
سيطرت عليه فكرة تأثير القدر على الحياة. وكان يفكر في نفس الوقت في قصيدة
يفغيني اونيغن للشاعر الروسي بوشكين كموضوع مناسب لأوبرا يؤلف موسيقاها.

وفي أواخر أبريل من تلك السنة تلقى رسالة من فتاة تدعى انتونينا ميليوكوفا
تقول فيها انها تحبه وانها ستنتحر مالم يلتق بها. وقد تجاهل تشايكوفسكي في
بادىء الأمر تلك الرسالة وعدة رسائل اخرى لاحقته بها الفتاة. ولكنه عاد
ورأى فيها صورة ناتيانا بطلة قصيرة بوشكين التي رفض يفغيني بطل القصة حبها
بازدراء.

واختلط الخيال بالواقع في عقل تشايكوفسكي وقرر ان يتزوج انتونينا. ولكنه
افهمها بوضوح أن علاقتهما ستكون علاقة أفلاطونية بحتة. وقبلت الفتاة فيما
يبدو على أمل أنها ستتمكن فيما بعد من التأثير عليه بسحر أنوثتها. ولكن
تشايكوفسكي كان ينظر إلى المسألة كلها وكأنها قدر مكتوب. وتم الزواج في
منتصف تموز / يوليو وانتهى فيما يشبه الكارثة في آواخر تشرين الأول/ أكتوبر
من نفس العام. فلقد كان تشايكوفسكي يجد زوجته منفرة بغير سبب ويجد التأليف
بقربها مستحيلاً فتدهورت حالته النفسية التي عاناها في تلك الفترة العصيبة
من حياته.

غادر تشايكوفسكي روسيا عقب انفصاله النهائي عن زوجته في رحلة زار خلالها سويسرا وإيطاليا والنمسا.

وكانت السنوات القليلة التالية من أغزر السنوات إنتاجاً في حياته. وقد ألف
في تلك الفترة عدداً من الأعمال التي تعد من أبرز وأهم مؤلفاته الموسيقية.

كانت موسيقاه تحظى بالإعجاب في كل مكان وبرغم مسحة الحزن التي اتسمت بها
بعض أعماله إلا انه ألف العديد من الألحان المرحة مثل أوبرا فايتولا الحداد
وكنشرتو الكمان والموسيقى التي ألفها لرقصات الباليه مثل بحيرة البجع
الشهيرة التي ضمت مجموعة من الرقصات المرحة.

وتعد بحيرة البجع وهي واحدة من ثلاث رقصات تعبيرية (باليهات) ألفها من
الأعمال البديعة، فإلى جانب بحيرة البجع كتب تشايكوفسكي الجمال النائم و
كسارة البندق , كما كتب 11 مؤلفاً للأوبرا, وامتازت موسيقى تشايكوفسكي
بالطابع الغربي حيث يميل بعض النقاد إلى الاعتقاد بأن نغمة الحزن في
موسيقاه هي الأثر الوحيد الدال على أصلها الروسي.

شهدت السنوات الأخيرة من حياة تشايكوفسكي مزيداً من الجولات الفنية وبحلول
عام 1893 آخر أعوام حياته كان قد حقق نجاحا لم ينله غير قلة من الموسيقيين
في حياتهم. وكانت مؤلفاته تعزف في أوروبا وأمريكا فتتلقاها الجماهير
بحماسة. وبدأ يتلقى آيات التكريم فانتخب عضواً مراسلاً في الأكاديمية
الفرنسية, كما منحته جامعة كمبردج درجة الدكتوراه الفخرية في الموسيقى خلال
زيارة لبريطانيا.

وفي نفس العام ألف تشايكوفسكي سيمفونيته السادسة والأخيرة التي قال عنها
"أعتقد أنها أفضل مؤلفاتي"، كانت تلك السيمفونية مشبعة بجو قاتم من الغموض
يعلن عن نفسه منذ البداية.
وقد عزفت هذه السيمفونية للمرة الأولى بقيادة تشايكوفسكي في بطرسبورغ في 28
تشرين الأول /أكتوبر 1893 أي قبل وفاته بثمانية أيام فقط.

توفي تشايكوفسكي في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1893 مصاباً بالكوليرا.
وفي الثامن عشر من نفس الشهر عزفت هذه السيمفونية في حفل اقيم تكريماً
لذكراه.. وتأثر الجمهور تأثراً عميقاً وخاصة عندما استمع الى الحركة
الأخيرة التي قال عنها تشايكوفسكي انها تعبير عن الموت.
وقلما تجد في العالم مركزا موسيقيا كبيرا لم يقدم روائع تشايكوفسكي مثل
باليهات كسارة البندق، وبحيرة البجع، وأوبرا يفغيني أونيغين، أو أوبرا ملكة
البستوني.

ترجع موهبة تشايكوفسكي إلى قدرته الفائقة على إبداع النغمات والألحان،
وتتميز موسيقاه بقوة مؤثرة جدا على المستمع. كما يعتبر من الموسيقيين
الكلاسيكيين القلائل اللذين يفهمهم محبو الموسيقى المعاصرون.

ومن الجدير بالذكر أن شهرة تشايكوفسكي تخطت حدود روسيا بعيدا حيث تعزف
موسيقاه فرق موسيقية سمفونية في أغلب دول العالم. كما تمتع بسمعة كبيرة في
أوساط الموسيقيين، ومنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة كامبيردج
البريطانية، وعضوية أكاديمية الفنون الجميلة الفرنسية، وغيرها.
احتل تشايكوفسكي مكانة خاصة في تاريخ الفن الروسي، مما دفع بلاده لإطلاق
اسمه على معهد الموسيقى العالي، ومسرح للأوبرا، وعلى مدينة في منطقة
الأورال ، وشوارع في الكثير من مدن روسيا.

ومنذ العام 1958 دأبت روسيا على تنظيم مسابقة دولية تحمل اسمه.
وبسبب شهرته وأثره الفني انتج فيلم سينمائي عن حياة الموسيقار الروسي حمل اسم Tchaikovsky